المرءُ في هذه الحياة يحاول أن يعيشَ سعيدًا ومطمئنَ البال، ويفعلَ ما في وُسعه كي يحققَ هذا الشيءَ المتاحَ وغير المتاحِ في آن. يوظفُ كلَّ إمكانياته الجسدية والذهنية لنيل ما يطمح إليه. كلُّ هذا من أجل سعادته، ولا شيء غيرُ سعادتِه.
المرء منا خُلق في هذا الكون الرحب الفسيح، ووُجِد وسْط أناسٍ يحيطون به أينما حلّ، وأينما ارتحل. لهذا فهو اجتماعيٌ بطبعه ومطبوعٌ بهذه الصفة، منذ ولادته الأولى. ولا يمكنه، في أي حال من الأحوال، أن يعيش وحيدا أو بعيدا عن أخيه الإنسان، مهما استطاع ذلك أو أراد. ولا يقدر حتى على الهروب، لا مفر من التعايش، أحبب ذلك أم كره. وحتى إذا حاولت ستفترسك أنيابُ الانطوائية، ومخالبُ الانزوائية، ومتاعبُ الوحدة. وستصير، بهذا، مريضا ويصعبُ عليك فكُّ عُقَدِك النفسية، إلا بمساعدة طبيب مختص، وستشيرُ الأصابع إليك، في النهاية، بالاستثناء أو الشاذ.
اجتنابا لهذا، يحاول المرء أن يجاورَ بني جنسِه، ويبحثَ عن رفيق يرافقه الدرب، ليبتعدَ عن الوحدة، ويكسّرَ أوقاتَ الفراغ والملل، ويحدّثَ عما يخالجه ويؤرقُ بالَه، ويزيدَ في انشغاله. والبحثُ عن الرفيق لا يتأتى إلا بعد كدٍّ سببه البحث عمّا يلائمُ الطبعَ ويوافقُ الخلُقَ. وفوق هذا عما ترتاح إليه النفس وتأتلف معه. عندها يطمئن له البال، ويهدأُ له الفكر. هدوءٌ هو ارتياح وتحقيق ما يُطمح إليه ويُرجى.
مع الرفيق تبدأ حياة كلِّ إنسان، وتتقد شعلة الأخوة والمحبة، فتنيرَ الدربَ، وتزيلَ الأشواك من الطريق. هي حياة مبتداها الارتياح، ومبتغاها الاطمئنان، ومسلكُها السرور والفرح. تسافر بك في معاجمَ لا تجد فيها سوى مفردات المحبة، والتعاون، والإخاء.. إنها حياة أقل ما يقال عنها جميلة.
أن تختار رفيقا معناه أن تتعرفَ إليه. بالتعارف تتعرّف إلى شخص ما جمعتك به ظروف معينة، وربطك به هذا الكونُ الفسيح، الذي أصبح في تطوره قريةً صغيرة. بهذا الترابط شاركت معه همومَ الحياة، حلوِها ومرِّها. وكنت معه في السراء والضراء، فعرفتَ أسرارَه وخباياه، وأوقعَته الدنيا في غياهب جبِّها، فساعدتَه وأعنتَه للخروج منها، من باب تفريج الكرب وفكِّ الضيْق عن أخيك، فصار رفيقا وصديقا محبوبا، من الأحبة الذين يُؤمَن مكرهُم، ولا يُتصور في يوم أن تنخدع أو تُخان لاختيارك إياه.
هذا هو التعارفُ الصادق، وهذه هي المحبةُ الحقة، وهذه هي الرّفقةُ الطيبة، التي تطيب بها الأنفس. وليس من السهل أن تجد مثل هذه المحبة في هذه الأيام، التي سادت فيها كل معاني الخيانة والخداع.
هذا ما كان يحكيه صديق لي، كان طموحه الوحيد هو مصاحبةُ رفيق أقلَّ ما يقال عنه مألوف، وكلامه ينطبع بالطيبوبة والجمال، لا تراه العين إلا وتنجدب إليه، ولا تقترب منه إلا وتجده مبتسما، مألوفا، مخلصا، ومطمئنا، رغم ما يعانيه من قساوة الظروف وكثرة الهموم.
فكان شغلُ صديقيَ الشاغلَ هو أن يقترب إليه ويحظى بصداقته ورفقته مهما كان. فتِعبَ وشقِيَ وجرّب كل الطرق المؤدية إليه، وألح في ذلك. فنال ما تمناه، بعد طول صبر، وحقق مطمحَه بعد عدة محاولات، فتعايشا وصحبا كلٌّ منهما الآخر، سنين عددا، فصارا مثل الإخوة أو بالأحرى رمزا للأخوّة، وتحققت فيهما كلُّ معاني المحبة، والصدق، والوفاء، والإخلاص، والتعاون.. إلى أن أظهرت الأيام عكس ذلك.
ما أصعب أن تصاحبَ شخصا هذه السنين الطوال، وتشتركَ معه في السراء والضراء، وفي النهاية ينكشفُ لك خداعُه ومكره، ويزول قناعه، وتنجلي عنك غشاوة المستور، فيصبح ظاهرا متجليا. عندها تصابُ بانتكاسة كبرى، وتُصدمُ فيما كنتَ تعتقده وتتصوره.
ولا تتخيل، ولو للحظة، أن الأمور ستنحو هذا المنحى وتتجه في هذا الاتجاه، لكن ما حصل هو الحقيقة، والحقيقةُ وحدها تبطل الأوهام، وتضع الأشياء في مكانها الصحيح. وهي القادرة على إزالة كل الأقنعة، مهما طال طلاؤها واختفت خلف أسوارها اللامعة، مخافة اكتشاف زيفها وعيوبها، لتبدوَ للناظر في أحسن صورة، وأجملَ هيأة.
صحيح أنه لا يمكن أن تعرف حقيقة المرء إلا بعد معاشرته والاحتكاك به، ووحدها الأيام قادرة على إعطاء الجواب الصحيح، وإظهارِ كنه هذا الإنسان الغريب، وإلى أي معدن ينتسب. وكلما طالت المعاشرة، كلما اكتشفت جانبا مُهما في شخصية من تدعي أنه رفيق دربك وأمين مالِك وسرِّك.
معاشرةٌ تضيء لك الطريق، وتبطلُ زيفَ الأقنعة وفسادَها، وحتما ستُكسبُك بعد هذا كله، تجربةً كنت في أمسِّ الحاجة إليها، وتعلِّمك دروسا لا تجدُها في أي مدرسة أو جامعة، سوى مدرسة الحياة الكبرى.
هي دروس لابد أن تتعلَّمَها وتتذوقَ مرارة تعلُّمِها. بل أنت في حاجة في أن تتعلمها حتى تكون حذِرا يقِظا. وحتى لا تنخدعَ بالمظاهر، والأشكال، وحسن الكلام، وطيب الملبس. وحتى لا تنطليَ عليك الحِيل والأوهام.
تجربة ستُكسبك حسنَ التصرف وإعمالَ العقل، وستورثك الوقايةَ من الوقوع في الفخ، ومن اللدغ مرة أخرى. وستعلمك أن الوقايةَ خيرٌ من العلاج.
وإذا أردت أن تعرف حقيقة المرء وإلى أي معدن ينتسب، فلا تنظرْ إلى صلاته وركوعه وسجوده، ولا حتى إلى صيامه، فتلك عبادات تكون بينه وبين ربه، ووحده سبحانه المطّلع على النيات، ووحده المطّلع على صلاح الأعمال. وانظر فقط إلى تعامله المالي معك. وحدها الدرهم كفيلة، وقادرة في آن، بإظهار العيوب وفضح الحقيقة.
هذا ما تعلّمه صديقي من مدرسة الحياة، وأصبح مقتنعا أن ما بين العبد وربّه شيء، وما بينه وبين الناس شيء آخر.
ومن أفسده المالُ لا تصلحه العبادات.
المرء منا خُلق في هذا الكون الرحب الفسيح، ووُجِد وسْط أناسٍ يحيطون به أينما حلّ، وأينما ارتحل. لهذا فهو اجتماعيٌ بطبعه ومطبوعٌ بهذه الصفة، منذ ولادته الأولى. ولا يمكنه، في أي حال من الأحوال، أن يعيش وحيدا أو بعيدا عن أخيه الإنسان، مهما استطاع ذلك أو أراد. ولا يقدر حتى على الهروب، لا مفر من التعايش، أحبب ذلك أم كره. وحتى إذا حاولت ستفترسك أنيابُ الانطوائية، ومخالبُ الانزوائية، ومتاعبُ الوحدة. وستصير، بهذا، مريضا ويصعبُ عليك فكُّ عُقَدِك النفسية، إلا بمساعدة طبيب مختص، وستشيرُ الأصابع إليك، في النهاية، بالاستثناء أو الشاذ.
اجتنابا لهذا، يحاول المرء أن يجاورَ بني جنسِه، ويبحثَ عن رفيق يرافقه الدرب، ليبتعدَ عن الوحدة، ويكسّرَ أوقاتَ الفراغ والملل، ويحدّثَ عما يخالجه ويؤرقُ بالَه، ويزيدَ في انشغاله. والبحثُ عن الرفيق لا يتأتى إلا بعد كدٍّ سببه البحث عمّا يلائمُ الطبعَ ويوافقُ الخلُقَ. وفوق هذا عما ترتاح إليه النفس وتأتلف معه. عندها يطمئن له البال، ويهدأُ له الفكر. هدوءٌ هو ارتياح وتحقيق ما يُطمح إليه ويُرجى.
مع الرفيق تبدأ حياة كلِّ إنسان، وتتقد شعلة الأخوة والمحبة، فتنيرَ الدربَ، وتزيلَ الأشواك من الطريق. هي حياة مبتداها الارتياح، ومبتغاها الاطمئنان، ومسلكُها السرور والفرح. تسافر بك في معاجمَ لا تجد فيها سوى مفردات المحبة، والتعاون، والإخاء.. إنها حياة أقل ما يقال عنها جميلة.
أن تختار رفيقا معناه أن تتعرفَ إليه. بالتعارف تتعرّف إلى شخص ما جمعتك به ظروف معينة، وربطك به هذا الكونُ الفسيح، الذي أصبح في تطوره قريةً صغيرة. بهذا الترابط شاركت معه همومَ الحياة، حلوِها ومرِّها. وكنت معه في السراء والضراء، فعرفتَ أسرارَه وخباياه، وأوقعَته الدنيا في غياهب جبِّها، فساعدتَه وأعنتَه للخروج منها، من باب تفريج الكرب وفكِّ الضيْق عن أخيك، فصار رفيقا وصديقا محبوبا، من الأحبة الذين يُؤمَن مكرهُم، ولا يُتصور في يوم أن تنخدع أو تُخان لاختيارك إياه.
هذا هو التعارفُ الصادق، وهذه هي المحبةُ الحقة، وهذه هي الرّفقةُ الطيبة، التي تطيب بها الأنفس. وليس من السهل أن تجد مثل هذه المحبة في هذه الأيام، التي سادت فيها كل معاني الخيانة والخداع.
هذا ما كان يحكيه صديق لي، كان طموحه الوحيد هو مصاحبةُ رفيق أقلَّ ما يقال عنه مألوف، وكلامه ينطبع بالطيبوبة والجمال، لا تراه العين إلا وتنجدب إليه، ولا تقترب منه إلا وتجده مبتسما، مألوفا، مخلصا، ومطمئنا، رغم ما يعانيه من قساوة الظروف وكثرة الهموم.
فكان شغلُ صديقيَ الشاغلَ هو أن يقترب إليه ويحظى بصداقته ورفقته مهما كان. فتِعبَ وشقِيَ وجرّب كل الطرق المؤدية إليه، وألح في ذلك. فنال ما تمناه، بعد طول صبر، وحقق مطمحَه بعد عدة محاولات، فتعايشا وصحبا كلٌّ منهما الآخر، سنين عددا، فصارا مثل الإخوة أو بالأحرى رمزا للأخوّة، وتحققت فيهما كلُّ معاني المحبة، والصدق، والوفاء، والإخلاص، والتعاون.. إلى أن أظهرت الأيام عكس ذلك.
ما أصعب أن تصاحبَ شخصا هذه السنين الطوال، وتشتركَ معه في السراء والضراء، وفي النهاية ينكشفُ لك خداعُه ومكره، ويزول قناعه، وتنجلي عنك غشاوة المستور، فيصبح ظاهرا متجليا. عندها تصابُ بانتكاسة كبرى، وتُصدمُ فيما كنتَ تعتقده وتتصوره.
ولا تتخيل، ولو للحظة، أن الأمور ستنحو هذا المنحى وتتجه في هذا الاتجاه، لكن ما حصل هو الحقيقة، والحقيقةُ وحدها تبطل الأوهام، وتضع الأشياء في مكانها الصحيح. وهي القادرة على إزالة كل الأقنعة، مهما طال طلاؤها واختفت خلف أسوارها اللامعة، مخافة اكتشاف زيفها وعيوبها، لتبدوَ للناظر في أحسن صورة، وأجملَ هيأة.
صحيح أنه لا يمكن أن تعرف حقيقة المرء إلا بعد معاشرته والاحتكاك به، ووحدها الأيام قادرة على إعطاء الجواب الصحيح، وإظهارِ كنه هذا الإنسان الغريب، وإلى أي معدن ينتسب. وكلما طالت المعاشرة، كلما اكتشفت جانبا مُهما في شخصية من تدعي أنه رفيق دربك وأمين مالِك وسرِّك.
معاشرةٌ تضيء لك الطريق، وتبطلُ زيفَ الأقنعة وفسادَها، وحتما ستُكسبُك بعد هذا كله، تجربةً كنت في أمسِّ الحاجة إليها، وتعلِّمك دروسا لا تجدُها في أي مدرسة أو جامعة، سوى مدرسة الحياة الكبرى.
هي دروس لابد أن تتعلَّمَها وتتذوقَ مرارة تعلُّمِها. بل أنت في حاجة في أن تتعلمها حتى تكون حذِرا يقِظا. وحتى لا تنخدعَ بالمظاهر، والأشكال، وحسن الكلام، وطيب الملبس. وحتى لا تنطليَ عليك الحِيل والأوهام.
تجربة ستُكسبك حسنَ التصرف وإعمالَ العقل، وستورثك الوقايةَ من الوقوع في الفخ، ومن اللدغ مرة أخرى. وستعلمك أن الوقايةَ خيرٌ من العلاج.
وإذا أردت أن تعرف حقيقة المرء وإلى أي معدن ينتسب، فلا تنظرْ إلى صلاته وركوعه وسجوده، ولا حتى إلى صيامه، فتلك عبادات تكون بينه وبين ربه، ووحده سبحانه المطّلع على النيات، ووحده المطّلع على صلاح الأعمال. وانظر فقط إلى تعامله المالي معك. وحدها الدرهم كفيلة، وقادرة في آن، بإظهار العيوب وفضح الحقيقة.
هذا ما تعلّمه صديقي من مدرسة الحياة، وأصبح مقتنعا أن ما بين العبد وربّه شيء، وما بينه وبين الناس شيء آخر.
ومن أفسده المالُ لا تصلحه العبادات.
بقلمي tarik 2009الرباط في 18/03/2010