1. محبة الصديق
المحبة منقسمة بين الناس إلى ثلاثة أصناف: محبة صديق، محبة قريب، ومحبة حبيب. وما دونها تابع إلى هذه الأصناف الثلاثة.
فالصديق يتقاسم معك لحظات ومحطات في الحياة، تكون هي الهمَّ المشترك بين الصديقين. فحياتك محطاتٌ كلما أوغلت فبها كلما تعرفت على أصدقاء جدد، قد يؤانسون وحشتك ويتقاسمون معك الفرحَ والحزن، هذا إن لم يكونوا أصدقاءَ سوءٍ صُحبتهم تُورث المذلة والهوان، ودربُهم يقودُك إلى التعاسة والخيبة، إن لم تُحِط بك دائرة العناية.
بهذا المعنى يكون الأصدقاء متعددون بتعدد المحطات، فهم إما صديقُ الحي أو صديق المدرسة أو صديق العمل. وتكون الحياة هي التي تضعك داخل الدائرة وتبحث لك عنهم، لا أنت الذي تبحث، وبما أن الحياة هي التي تجمعك بهم، فإن المحبة التي تتقاسمها بينهم قد تكون محبة كسماء سحابها ممطر، أينما حلت تسقي الحرث، فتُنبت زرعا، وتُثمر أشجارا، وتؤتي أكلها كل حين؛ وقد تكون محبة عابرة ومارة كمرور السحابة في الصيف.
فلا تتحسر على صديق فارقك، أو جمعتك به ظروف ما، أو اشتركت معه في مصلحة ما. إنما الصديق من دامت صحبته، وكان معك في الشدة قبل الرخاء، وجمعتكما أخوة أساسها الاحترام المتبادل، وقوامها الصدق والإخلاص، ومنبعها الاطمئنان والأمان، فمتى خَلتِ الصداقة من ذلك كانت ناقصة وكان مآلها إلى الزوال.
وحذار أن ترهق من تحب بكثرة الطلب، وتتوهم استجابته لها برهان محبة، بل على العكس، فهذا يمزق رابطة الصداقة ويكسّرها وتتحول معها إلى استغلال تحت شجرة المحبة.
هذا ما علمتنا إياه الحياة، فاسمع مني يا صاح.
2. محبة القريب
أما القريب فهو كل من تجمعك به صلة رحم أو رابطة دم، ويدخل في هذه الدائرة إخوتك وأخوالك وأعمامك وأجدادك ومن جاورهم في القرابة. فهؤلاء محبتهم تتفاوت على قدر اقتسامك معهم أو اقتسامهم معك الأقراح والأفراح.
ومن الأقرباء من يجعله فعله أقرب النقط إلى محيط المحبة، ومنهم من يزيده فعله بعدا عنها. بالقرب والبعد يتحدد المصير ومعهما تتحدد درجة المحبة.
ويدخل في صنف الأقرباء أناس تربطك بهم رابطة الأخوة لا رابطة الرحم، فصاروا بأخوتهم أشد الناس قربا حتى من الأقرباء أنفسهم، وحيك لهم يزداد ويتضاعف، فتحمد من كان سببا في الاجتماع والتعرف إليهم. وهؤلاء أيضا لا يخرجون من محيط الدائرة وتنطبق عليهم درجة القرب والبعد.
وبالجملة فالأقرباء الذين لا تجدهم في المحن لا يعول عليهم، ولا ينتظر منهم أي رجاء، فانفض يديك من غبارهم ولا تشغل بالك بهم، وعاشرهم بالمعروف، والمعروف أن تجعل الباب مفتوحا.
3. محبة الحبيب
أما الحبيب فهو من يأسر قلبك، ويملك روحك، ويسجن هواك في قفص حبه، فلا يزيغ ولا يطغى، ويجعلك هائما بذكره، وتائها في بحار شوقه، وينقلك من الأحزان والأقراح إلى الأنس والأفراح.
بالأسر يصير حبيبك ظلك الذي تستظل به في الهجير، فلا يفارقك ولا يبتعد عنك، إذا نظرت إليه سرك، وإذا استعنت به أعانك، وإذا حفظته حفظك، وإذا حدثته في السر أجابك في العلانية، وإذا أتبته مشيا أتاك هرولة، وإذا تقربت إليه بشيء تقرب إليك بأحسن منه.
فهو معك أينما حللت وأينما ارتحلت. القرب منه سعادة، والبعد عنه شقاوة وتعاسة في آن. فمن وهبك حبه هبه كلك، فحقيقة المحبة أن تهب ذاتك وما تملك لمن أحبك، ومن أعطاك ظله أعطه بساط قلبك واجعله تحت إمرته حتى يستولي عليك ذكره. بالاستيلاء تمحو من قلبك ما سوى المحبوب.
هذا الحبيب هو نقطة الدائرة ومركزها، وبها يقوم أساس كل شيء، وعليها المعول وإليها المبتغى.
فمن لاحبيب له لا قلب له، ومن لا قلب له لاحياة له، ومن لاحياة له فوجوده عدم.
فابحث لك عن حبيب يؤانس وحشتك، ويسعد شقاونك، ويطمئن حالك، ويفرّج غمك ويبعد همك وحزنك. بالحبيب تتقوى وبه يصير لك وجود وامتداد.
بقلمي: طارق
الرباط في: 05/07/2009